26 - 06 - 2024

انتخابات الصحفيين | إصلاح أوضاع الصحافة يبدأ بتصحيح وضع النقابة

انتخابات الصحفيين | إصلاح أوضاع الصحافة يبدأ بتصحيح وضع النقابة

صحيح أن الأحوال التي آلت إليها الأوضاع في نقابة الصحفيين تعكس إلى حد كبير الحال الذي وصلت إليه مهنة الصحافة في مصر رغم عراقتها، والذي يعكس بدوره ما وصلت إليه الأوضاع في العديد من القطاعات في دولة تُعد الأقدم على الإطلاق في العالم القديم والحديث. 

اليوم الصحفيون، شيوخاً وشباناً، أمامهم فرصة سانحة للتغيير، بأن يجعلوا من الانتخابات مقدمة للإصلاح والتصحيح في النقابة، ثم على مستوى المهنة. فلا تزال هناك فرصة لأن يصحح الصحفيون المصريون أوضاعهم، بشرط أن يحسنوا استغلالها، وانتخاب مجلس ونقيب يعيدان لنقابة الصحفيين مكانتها ودورها، في الدفاع عن المهنة وتصحيح أوضاعها والارتقاء بها وتطويرها. واختيار الأقدر لهذه المهمة، من بين المتنافسين لانتخاب مجلس ونقيب مناسبين لهذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الصحافة. وهذه ليست بالمهمة اليسيرة، وتستدعي من كل صحفي يهمه مستقبله المهني أن يتوجه ليدلي بصوته في هذه الانتخابات الفارقة والمصيرية.

ربما تكون الحقيقة الجلية، التي لا يمكن إنكارها، هي تدني أداء المجلس الحالي على نحو لم تشهده نقابة الصحفيين في تاريخها الممتد، والنتيجة المؤكدة لهذا الوضع، في ظل انتخابات حرة يقبل عليها ناخبون يمتلكون أدنى حد من التفكير الرشيد، هي النظر في إعادة انتخاب أي من المسؤولين عن هذا الوضع الذي وصلت إليه النقابة، بل ومحاسبتهم على الأسلوب الذي أداروا به النقابة وعلى إهدار كثير من الموارد وإضاعة فرص ثمينة كان من شأنها أن تسهم في إيجاد حلول تُمكِن الصحافة من مواكبة التطورات. وعلى سبيل المثال، ذكر الأستاذ خالد البلشي، المنافس على منصب النقيب، في لقاء مع صحفيي المشهد يوم الأربعاء الماضي، أن شركة جوجل تقدمت للمجلس الحالي بعرض لتدريب الصحفيين على التعامل مع المتغيرات في تكنولوجيا الاتصالات، وأن المسؤولين في الشركة لم يتلقوا رداً حتى تاريخه من أي من أعضاء المجلس. وهذه واقعة تستدعي تحقيقاً ومحاسبة للمسؤولين عنها.

من المهم، أن نعرف الأسباب التي أدت إلى وصول النقابة إلى هذا الوضع وأن نقف على أسباب سوء الإدارة وتدني أداء المجلس الحالي؟ المشهد كان واضحاً من اللحظات الأولى التالية للانتخابات الأخيرة التي جرت في مارس 2021، والطريقة التي تم من خلالها توزيع اللجان والملفات والمهام على أعضاء المجلس والتي استهدفت تركيز النشاط النقابة في أشخاص بعينهم وحرمان أعضاء آخرين في المجلس، من تولي أي مهام في إدارة شؤون النقابة، لأسباب غير معلومة وغير مفهومة. وكانت النتيجة الحتمية لذلك هو إحالة كثير من الشأن النقابي لمجموعة موالية من الموظفين، وتركيز سلطة اتخاذ القرارات في أيدي عدد قليل من أعضاء المجلس الذي كان غائباً طول عامين، لم يجتمع المجلس خلالهما إلا لمرات قليلة، وبضغوط من أعضاء آخرين في المجلس أو من الصحفيين. وهناك مخالفات واضحة وخطيرة، منها رفض عضو المجلس، هشام يونس وآخرين، ميزانية النقابة، لما انطوت عليه من مخالفات تستوجب المراجعة والمحاسبة، ولم يتحرك أحد من الهيئات الرقابية في الدولة، بل نشهد جهوداً حثيثة من الدولة وأجهزتها لضمان إعادة انتخاب أبرز المسؤولين عن سوء أداء المجلس وكأنما هناك إصرار على تعميم منهج "مكافآت الفشل"، ليشمل كل القطاعات. 

مفهوم ضيق للمصلحة

علينا أن نبحث عن الأسباب الجذرية التي أدت إلى هذا الوضع، الذي مَكَّن بعض أعضاء المجلس من استغلال مناصبهم النقابية لتحقيق مصالح شخصية على حساب مصالح الصحفيين؟ وما ترتب على هذا الوضع من مخالفات صريحة وانتهاكات جسيمة للمواثيق الأخلاقية الحاكمة للعمل النقابي، والحاكمة لأي مهنة، وفي مقدمتها عدم جواز الجمع بين المنصب وأي عمل قد يؤدي إلى تضارب في المصالح وتعارضها، فلا يجوز مثلاً أن يكون الخصم في نزاع نقابي أو مهني هو أيضا الحَكم الذي بفصل في النزاع أو الخصومة، لما في ذلك من إهدار للحقوق وتحيز في إصدار القرار. والسبب الجذري لهذا الوضع هو تبني مفهوم ضيق للمصلحة، وترسيخ ثقافة لدى الصحفيين قصرت العمل النقابي على النشاط الخدمي والترفيهي، ليُصبح تقديم الخدمات، العامة والشخصية، للصحفيين هو المحور الأساسي في البرامج الانتخابية لكثير من المرشحين لمناصب نقابية، وحولت الحقوق المكتسبة للصحفيين إلى نوع من أنواع الرشى الانتخابية. ونتيجة لذلك، جرى تهميش دور النقابة في مناقشة الشؤون العامة التي تؤثر على مهنة الصحافة وتهميش دورها في كثير من القرارات التي تتخذ في المؤسسات الصحفية العامة والتي ألحقت الضرر بوضع الصحفيين، وكذلك في التشريعات الخاصة بالصحافة، وقضايا الحريات، وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير.

هناك اتفاق واسع الآن يرفض تلك النظرة التي ترى إمكانية مساومة البشر على حريتهم ببعض المكاسب، ولخص الدكتور عمار علي حسن هذا الوضع في مقاله الرائع "غابت الحرية فجاع الصحفيون" هذا الموقف الذي يربط فيه بشكل مباشر بين النتائج المترتبة على التنازل عن الحرية مقابل مكاسب مؤقتة، وهو موقف لا يقتصر فقط على حالة الصحفيين وإنما نجد مراجعة قوية في علم الاجتماع، بشكل عام، وعلم الاجتماع السياسي، على وجه الخصوص، للارتباط الوثيق بين الحرية والتنمية، يعاد معه النظر بشكل جذري لتلك النظريات التي تولي للعدالة الاجتماعية أولوية على حساب الحرية، وهو أمر يمكن اثباته بمراجعة كل تجارب التنمية التي صادرت الحرية من أجل العدالة الاجتماعية، وانتهى الحال بالشعوب إلى خسارة الأمرين معاً، الحرية والعدالة. 

لقد كتب الأستاذ محمد حماد مقالاً على موقع "مصر 360"، يسوق فيه أدلة دامغة على أن الصحفيين والنقابة حصلوا على حقوقهم بشكل أفضل عندما انتخبوا بعد عام 2005 مجالس مستقلة، ولو عدنا بالذاكرة إلى معركة القانون 93 لسنة 1995، الذي أسقطته الجمعية العامة للصحفيين، لأدركنا أن الصحفيين يكسبون معاركهم دائما إذا ما توحدوا على موقف صحيح. إن الجمعية العمومية التي دعي إليها الصحفيون بعد واقعة اقتحام النقابة، في مايو 2016، كانت تذكرة قوية لمن يخشون حرية الصحافة في هذا البلد وهم كثيرون، فبذلوا قصارى جهدهم للقضاء على النقابة وتفتيت وحدة الجماعة الصحفية، وبمعاونة فريق من محترفي العمل النقابي الذين لا هم لهم سوى الاستحواذ على المناصب والوظائف على حساب الصحفيين وسعوا لتحقيق استفادة شخصية، والنتائج كانت صادمة إلى حد يدفع الصحفيين إلى إعادة الاعتبار للمصلحة العامة المشتركة التي تنعكس إيجابيا على مصالحهم الشخصية. إن المقالات المشار إليها، يجب أن تسهم في تكوين وعي جديد للجماعة الصحفية بدور الصحافة ورسالتها. 

انتخاب مجلس متوازن ونقيب مستقل

إن الوضع في المؤسسات الصحفية العامة يشير إلى شيوع حالة من السخط والاستياء الواسع من التدهور المستمر في أوضاع المهنة وفي أوضاع الصحفيين نتيجة للخسائر المتتالية الناجمة عن سياسات الدولة في التعامل مع الصحافة والصحفيين والإصرار على اختزال هذه المهنة العريقة إلى ما يشبه النشرات الدعائية التي لا تقدم للقراء ما يحتاجونه من معرفة واستنارة ومعلومات وحقائق عن الأحداث وعن التطورات المحلية والإقليمية والدولية. والنتيجة الرئيسية المترتبة على ذلك، والتي يتجاهلها المسؤولون القائمون على وضع هذه السياسات، هي انصراف الجمهور عن وسائل الإعلام الوطنية كمصدر للمعلومات والمعرفة إلى وسائل إعلام خارجية تكتسب مصداقية نتيجة للتدني الشديد في مستوى المهنية، والقيود المفروضة التي تحول دون قيام الصحفي بأداء مهمته وواجبه على أفضل نحو، وهي أمور أثارها الصحفيون مع المرشح خالد ميري، المنافس على منصب النقيب ومع بعض المرشحين لعضوية المجلس. ولا تصلح التبريرات التي يقدمها المرشحون، خصوصاً الذي يشغلون مناصب في المجلس الحالي للرد على هذه الملاحظات. 

قد يكون الاختيار واضحاً، فيما يتعلق بانتخاب نقيب الصحفيين، بين مرشح قد يمثل انتخابه استمرارا للأداء الذي عاني منه الصحفيون خلال العامين الماضيين، وعلى نحو ينذر بالأسوأ في هذه المرحلة الدقيقة التي يتقرر فيها مصير المؤسسات الصحفية ووضع الصحافة القومية والخاصة، والمهنة فيه مهددة بمزيد من القيود المفروضة على ممارسة العمل الصحفي والتي كان لها تأثير حتى على مرشح يفترض أنه مدعوم من الدولة، حينما منع المصور المرافق له من دخول إحدى المرافق أثناء جولاته الصحفية، ولم يسمح بدخوله إلا بعد اتصالات ووساطات، على نحو يعطي رسالة في منتهي الخطورة للصحفيين جميعاً، بمن فيهم الصحفيون المؤيدون لسياسات الحكومة والمحسوبون عليها، فما بالنا بالصحفيين المعارضين والمستقلين. والرسالة أن الدولة ماضية في سياساتها المتعلقة بتصفية المؤسسات الصحفية، على نحو يدمر مهنة عريقة لعبت أدواراً مهمة في تاريخنا الوطني. 

إن الإصرار الذي يلاحظه معظم الصحفيين على التدخل للتأثير بشكل غير مباشر على نتيجة الانتخابات، وإدخال تحسينات طفيفة على أوضاع الصحفيين المالية والمعيشية من خلال زيادة البدل، الذي قد يصوره البعض على أنه انجاز لهذا المرشح أو ذاك، وإن دل على شيء فإنما يدل على إصرار على تغييب دور النقابة وهو أمر سيتحقق على الأرجح إذا لم يفق الصحفيون قبل فوات الأوان، وإذا لم يعلنوا، صراحة، أنهم لن يقبلوا المساومة على حقوقهم، بقبول النتائج التي تقررها سلفاً دوائر من خارج الجماعة الصحفية. المعركة قد تكون أصعب في انتخابات التجديد النصفي للمجلس والتي قد تتطلب من الصحفيين النظر إلى وضع المجلس ككل من أجل انتخاب مرشحين يحققون التوازن داخل المجلس، وبما يضمن عدم تهميش أي عضو انتخبه الصحفيون لتمثيلهم في مجلس النقابة، وأن توزع اللجان والملفات بشكل يقدم المثل الأفضل لما تعنيه المهنية والاحتراف في العمل الصحفي.

في تقدير كثير من المراقبين، أن أساليب العمل القديمة التي تلجأ إليها الدولة لحشد الصحفيين للتصويت للقائمة التي تدعمها، ومحاولة التأثير على إرادتهم من خلال رؤساء التحرير، لم تعد تصلح لإدارة هذه الانتخابات، كذلك لم تصلح أساليب معاقبة الصحفيين لدفعهم لانتخاب مرشحين يعلمون جيداً أنه سيؤيدون سياسات الدولة حفاظاً على مصالحهم الخاصة ومناصبهم ليكتشفوا أن أي مكاسب حصلوا عليها لن تعوض أي خسائر مؤكدة يتكبدونها نتيجة لهذه السياسات. إن عموم الصحفيين أمام اختيارات صعبة، ومعقود عليهم اتخاذ القرار الذي ينقذ المهنة وينقذهم. قد يتوهم البعض أن اختيار مرشح مدعوم من الحكومة قد يجنبهم الصدام والمواجهة المباشرة، لكن إصرار من يديرون المعركة الانتخابية في الكواليس يكشف أن النوايا تجاه الصحافة والصحفيين ليست طيبة. وقد يكون تصميم المعركة الانتخابية على هذا النحو الذي نشهده فيه استقطابا حادا بين نقيضين، من خلال التأثير على بعض الشخصيات التي كان معلوماً جدياً رغبتهم في الترشح محكوماً بالمنطق العام لإدارة معركة الانتخابات لتحقيق النتيجة المرجوة بوضع الصحفيين أمام اختيار صعب، والسعي لاستغلال من يفضلون عدم اختيار مرشحين يضعوا النقابة ومجلسها في مواجهة مباشرة مع الدولة. 

ورغم هذا، لم يحسب القائمون على إدارة المعركة الانتخابية الآن، حساب هذه اللحظة، ولم يراجعوا أعضاء المجلس السابق في أدائهم ويوجهونهم للحظة قد يكون فيها الاختيار للجمعية العامة للصحفيين، وقد يكون من الصعب التأثير على إرادة الصحفيين أو ضمان نتيجة الانتخابات على النحو الذي توقعوه. فالاختيار الآن بين مرشح يزيل عن النقابة الأكفان التي حجبتها لسنوات وبين آخر سيعيد إليها الأكفان لتحجبها لسنوات قادمة تكفي للإجهاز على ما تبقى من أصوات تدافع عن المهنة ورجالها.
---------------------------------
بقلم: أشرف راضي

  

 

مقالات اخرى للكاتب

حرب غزة 2023.. مستقبل غزة أم مستقبل فلسطين؟





اعلان